Wednesday, February 6, 2013

خالق الأسباب و المسببات

قال شيخنا رحمه الله
الحمدُ لله ربّ العالمين له النّعمةُ ولهُ الفَضلُ ولهُ الثّناءُ الحسَن صلواتُ الله البرّ الرحيم والملائكةِ المقَرّبين على سيّدِنا محمّدٍ أشرفِ المرسَلِين وعلى جميع إخوانِه منَ الأنبياءِ والمرسلِين وسلامُ الله علَيهم أجمعين،
أمّا بعدُ فإنّ الله تبارك وتعالى هوَ خالقُ كلّ شَىء، هوَ خلَقَ أَسبابًا ومُسَبّبات لها، خلَقَ الأسبابَ وخَلَق المسبَّباتِ لهذه الأسباب، خَلَقَ الدَّواءَ وخَلَق الشّفاءَ عندَ استِعمالِه، خلَقَ الطّعامَ وخَلَق الشّبعَ عندَ أَكْلِه، وخَلَقَ النارَ وخلَقَ الحُرْقَةَ عندَ مَسّها فاللهُ تباركَ وتعالى هو خَالقُ الأسبابِ والمسبَّباتِ ليسَت الأسبابُ تخلُق مُسَبّباتها، النارُ سَببٌ للإحراقِ فاللهُ تَعالى هو خَلَق هذه النّارَ وهو الذي يخلُق الإحراقَ ليسَت النارُ تخلُق الإحراقَ، كذلكَ خَلَق الخُبز وجعَلَه سَببًا للشِبَع فالله تعَالى هو الذي يخلُق هذا الشّبَع ليسَ الخُبز يخلُق هذا الشِبَع، يجوز عقلاً أن يَأكلَ الإنسانُ الطّعامَ ولا يحصُل الشّبَع، كذلك يجوزُ أن يحِسَّ الإنسانُ النارَ ولا يحصُلَ الإحراقَ كما حصَلَ لإبراهيمَ علَيهِ السّلام، إبراهيمُ أُلقِيَ في نارٍ عظِيمةٍ، لم يَستَطيعُوا أن يمسِكُوه بأيديْهِم الكفّار فيَرمُوه فيها مِن شِدّة وَهْجِها بل عَمِلوا منجَنِيقًا ووضَعُوه على المنجَنيق فقَذفُوه بالمنجَنِيق إلى النار مِن قُوّةِ حَرارتها، لم يَستطِيعُوا أن يَقتَربوا منها فلم تحرقْه ولا ثيابَه، هذا دليلٌ على أنّ النارَ لا تخلُق الإحراقَ بل اللهُ تعالى يخلُق عندَ مماسَّتها الإحراقَ، كذلكَ الخبزُ لا يخلُق الشِبَع كذلكَ الماءُ لا يخلُق الرِيّ عندَ شُرب الماءِ، كذلك الأكلُ سَبَبٌ لقِيام الصِّحّة، لحِفظِ الصّحّة، الأكلُ والشّرب سبَبٌ ليسَ الأكلُ والشّرب يخلُقانِ الصحّةَ بل اللهُ تعالى هو الذي يخلُق الصّحّةَ بهذا السّبَب الذي هو الأكلُ والشرب، أغلَبُ الناسِ إذا أكَلُوا وشَربوا أجسَامُهم تظَلُّ مُتمَاسِكة وقُواهُم تظَلّ على حَالها، هذا بالنّسبةِ لأغلَبِ الناس اللهُ تعالى جَعَل هذا السّبَب مرتَبِطًا بالمسَبَّب، وقد يخرِقُ الله تعالى هذهِ العادةَ فيُوجِدُ السّبَبَ ولا يوجِدُ المسبَّبَ لأنّ الله لم يشأ، كذلكَ الأدويةُ جعَلَها الله تعالى سَببًا للشّفاء ثم ليسَت الأدويةُ تخلُق الشّفاء كثيرٌ مِن الناس يستَعمِلُونَ الأدويةَ فلا يتَعافَون وكثيرٌ آخَرونَ يَستَعمِلُون ذلك الدّواءَ نفسَه فيتعَافَون مع أنّ المرضَ واحِدٌ والدّواءَ واحِدٌ فما الذي اقتَضى ذلكَ نقولُ أولئكَ الذين استَعمَلُوا الدّواءَ لمرضٍ فتعَافَوا به اللهُ تعالى شاءَ أن يحصُلَ لهم الشّفاء بعد استعمالِ هذا الدواء والذينَ لم يتعَافَوا به فالله تعالى لم يشأ لهم أن يتَعافَوا باستِعمالِ هذا الدّواء، إذًا فالدّواءُ لا يخلُق الشّفاءَ هذا الذي نحنُ نَستَنتجُه مِن هذا، كذلكَ قِصّة رحمة بنت إبراهيم التي مَضى عليها منذُ تُوفّيت ألفٌ ومائة وشَىء لأنها كانَت في القَرنِ الثّالث الهجري فهذه رحمة عَاشَت نحوَ ثلاثينَ عامًا لا تأكلُ ولا تَشربُ وهي صحِيحةُ الجِسم صحيحةُ الفِكر والأعصَاب، ما منَعَها تَركُ الأكل والشُّرب مِن قُوّة المشيِ ولا منَعَها مِن صِحّةِ الفِكْر ولا منَعَها مِنَ الفَهْم ظَلّت طِيلَةَ هذه المدّةِ بلا أكلٍ ولا شُرب وهيَ صَحيحةُ الجِسم ليَكُونَ هذا عبرةً للمؤمنينَ حتى يَعرفوا أنّ الله تعالى هو الذي يخلُق الصّحةَ وهو الذي يحفُظ الصّحّةَ فيمَن يشاءُ مِن عبادِه إلى الوقتِ الذي شَاءَ على حسَبِ عِلمِه الأزلي، فلَو كانت الصّحةُ يخلُقُها الأكلُ والشُّربُ هذه المرأةُ ما عاشَت هذه المدّةَ الطّويلةَ وهيَ صحيحةُ الفِكر، صحيحةُ الجِسم، كذلكَ أُناسٌ غَيرُها، منذُ خمسةَ عشَر عامًا أنا كنتُ بحلَب فقالَ لي أحَدُ مشَايخ حلَب قال رجُلٌ مِن أهلِ الجزيرةِ وهوَ شَيخٌ مِن أهلِ العِلم منذُ أربعة عشَر عامًا لم يأكل ولم يَشرَب وهو يتَجوّل يُسافرُ مِن بلَدٍ إلى بلَد، قالَ نَزلَ عندِي ضيفًا فلَم يَأكُل ولم يَشرب، كذلكَ حَصل في الحبَشة أنّ شَيخًا مِن الأولياء مَنهُومٌ بالعبادةِ يحِبُّ الصّلاةَ كأنّهُ يَلتَذّ بالصّلاةِ ما لا يلْتَذّ كثيرٌ مِنَ الناس بالأكلِ والشُّرب، هذا مِن شِدّةِ ما هوَ مُولَعٌ بالصّلاة صارَ يخرجُ إلى غَابةٍ قَريبةٍ مِنَ الضّيعةِ حتى يُصلّيَ كمَا يشَاءُ ولا يَشغَلُه أحَدٌ فظَلّ يُصَلّي هناكَ حتى حَصلَ لهُ ذاتَ يوم استِغراق، وهو قائمٌ صارَ لا يتَكلّم معَ أحدٍ ولا يأكلُ ولا يَشرَبُ ولا يجلسُ طَرفةً لا في ليلٍ ولا في نهار، الناسُ الذين يمرّونَ تلكَ الناحِية رأوهُ، شاهدُوه، فالناسُ صَارُوا يَعطِفُونَ علَيه لما رأوهُ تحتَ السّماء وليسَ فوقَ رأسِه شىء، بنَوا عليهِ ظُلّة عَريشَة، بنَوا فوقَ رأسِه عَريشَةً حتى يُ

تُظِلّه مِنَ الشّمس وهو لا عِلمَ ولا شُعورَ له بهم، فأَحَدُ أصدقائي مِنَ الطّيّبين قالَ قلتُ في نفسِي لعَلّ الشيخ يظَلُّ بالنّهار واقفًا وباللّيل يَستَريحُ لأراقبَنّه الليلةَ، قال ذهَبتُ إليه فبِتُّ أراقبُه اللّيلَ كلَّه فلم أرَه وهو يجلِسُ بل هو كما هوَ بالنّهار، حتى قضَى شَهرَين، أكمَلَ شَهرين وهو في هذِه الحال، ثم ذهَبَ مِن تلكَ الأرضِ إلى العاصمةِ ظَلَّ هناك سِنِين، ثم أنّا بعدَ ذلك زُرتُه، هذا الرّجُل كانَ بارًّا بأُمّهِ كانَ إذا حصَلَ في الضّيعةِ وفَاة يَهتمّ بتَجهيز الميّت، وكان قَد تعلّم عِلمَ الدّين، كانَ محصّلاً لعِلم الدين عاشَ نحو سَبعينَ عامًا مِنَ العُمر رحمه الله، هذا أيضًا دليلٌ في الأمرِ الذي حصَل له وهو أنّهُ ظلَّ واقفًا شَهرينِ لا يأكُل ولا يَشربُ ولا يُحِسّ، ولو جَاءَ إنسانٌ ووضَعَ إصبَعَه بعَينِه لا يَشعُر به مِن شِدّة تعَلُّقِ قَلبه بالله، هذا فيهِ دَليلٌ لنا على أنّ الأكلَ والشُّرب والاستراحةَ ليسَ هو يخلُق الصّحةَ وسَلامةَ الجِسم إنما اللهُ هوَ الذي يخلُق الصِحّةَ وسَلامةَ الجِسم، كلُّ هذا دليلٌ لنا على أن نعتَبر لنَزداد يَقينًا بأنّ الله تعالى هو خالقُ كلّ شىء، هوَ خالقُ الجوع والعطَش وهوَ خالقُ الخُبز وهو خالقُ الشّبع عندَ تَناول الخُبز وهوَ خَالق الرِيّ عندَ شُرب الماء، ليسَ الماءُ يخلُق الرِيّ وليسَ الخبزُ يخلقُ الشِبَع وليسَ الطّعام يحفَظ الصّحة بطَبْعِه إنما اللهُ تعالى جعَلَه سبَبًا، فبمشيئةِ الله تعالى يحصُل بالأكلِ الشِبَع وبشُرب الماء الرِيّ وبمماسّةِ النار الإحراق، أمّا بدُونِ مشيئةِ الله لا يحصُل شىء مِنَ المسبَّبات، كذلكَ الله تعالى خلَق الأمراضَ وخَلَق الأدويةَ فجعَلَ بينَ الأدوية والأمراضِ عَلاقَةً فإذا تَناول الإنسانُ الدّواء يتَعافى إن شاء الله في الأزل أن يتَعافى هذا الأنسانُ بهذا الدّواء أمّا إن لم يشأ الله تعالى في الأزل أن يتَعافى هذا الإنسانُ بهذا الدّواء فلا يتَعافى، لو كانَ الدّواءُ هو يخلُق الشّفاء لكَانَ كلُّ إنسانٍ يمرض مَرضًا ثم يتَناول ذلك الدّواء يتَعافى ولم يكن يتَعافى به بعضٌ ولا يتَعافى بهِ بعضٌ آخَرون، كذلكَ السّمّ اللهُ تعالى جَعلَه سَببًا للضّرر، مَن تنَاوَل السّمّ يحصُل لهُ ضَررٌ بمشيئةِ الله أمّا إذا لم يشأ الله تعالى أن يَنضَرّ إنسانٌ بالسّحر فلا يَنضرُّ، كذلكَ الله تبارك وتعالى جعَل العَينَ أي عَينَ الحَسُود التي تَنظُر معَ حَسَدٍ سَببًا للضّرر في المنظُور لكنّ هذا الضّرر بالعَين لا يحصُل إلا بمشيئةِ الله، كم مِن أنسانٍ يُحسَدُ فيُنظَر إليهِ بعَين الحسَد فلا يحصُل له ضَررٌ كما أن هناكَ أُناسًا كثيرينَ تَنظُر إليهم العَين الحسُود فيَنضَرّون، هذا كلُّه بمشيئةِ الله، كذلكَ السّحرُ بعضُ الناس يحصُل لهم الضّرر بالسّحر وبعض الناس لا يحصُل لحم الضّرر بالسّحر وذلك أيضاً كلُّه بمشيئةِ الله.
ومِن الدّليل على أنهُ لا يَنضَرّ أحدٌ إلا بمشيئة الله أنّ الله تعالى وكَّلَ بالإنسان ملائكةً، اثنانِ يَكتُبان ما يعمَلُ الإنسان أحدُهما يكتُب الحسنات والآخَرُ يَكتُب السيئات وهناك غيرُ هذين مع البَشر معَ كلّ واحِد، وظيفتُهم أن يحفَظُوا هذا الإنسانَ مِنْ مهَالك، لكن إنما يحفَظان هذا الإنسان مِنَ المهَالِك التي لم يُقدّرِ اللهُ أن تُصيبَه أمّا المهالكُ والمضارُّ التي قَدّرَ الله أن تُصيبَ هذا الإنسانَ فأولئك الملائكةُ لا يحُولُونَ بَينَهُ وبينَ تلكَ المضَارّ لا بُدّ أن تُصيبَه مع وجودِهم لأنّهُ لا يَرُدُّ قدَرَ الله تعالى أحَد، هؤلاء الملائكةُ مخلوقُون مِثلنا لكن الله تعالى مَيّزَهُم بصِفاتٍ ليسَت فِينا، هؤلاء الملائكةُ يحفَظُون الإنسانَ مِن مهالِكَ كثيرة لولا وجُود هؤلاء لكانت الجِنّ يلعَبُون بنا كما يَلعَبُ الإنسانُ بالكُرة وذلكَ لأنهم يَرونَنا مِن حيثُ لا نَراهُم، هم معَنا لكن لا نَراهُم وهؤلاء الملائكةُ يحفَظُونَنا في أكثرِ الأوقات منهم أمّا الضّرر الذي قَدّر الله وعَلِمَ في الأزل أنّه يصيبنا مِن قِبَلِ الجِنّ فالملائكةُ لا يَدفَعُونَ عنّا هذا، مع وجُودِهم يُصيبُنا ذلكَ الضّرر الذي كتبَه الله.مختصر عبد الله الهرري الكافل بعلم الدين الضروري

No comments:

Post a Comment